محظرة أهل العاقل… مدرسة القضاء والفتوى والأدب والفتوة( إعداد موقع الفكر)
تانيد ميديا : لا تعرف مدرسة علمية في هذه البلاد جمعت بين العلم الشرعي الراسخ والإبداع الأدبي المتأصل والصلاح وعمق التربية الإيمانية، مثل حضرة آل العاقل التي ما تزال مضرب المثل في مآثر العلماء، ونفحات الأدب، وتراث الفتوى والقضاء.
وقد تكامل في هذه المدرسة ما لم يجتمع في غيرها من المدارس العلمية في هذه البلاد، فحققت لمحيطها الاجتماعي وفضائها الثقافي الاكتفاء العلمي، والتربوي والأدبي، في محاظر متعددة تعدد بيوتات الحي ومنابر إبداع ينساب كالنسيم على الرمال الأكيدية الناصعة، ومراقي أواه، يهدي النفوس قوت القلوب ويوردها رياض الصالحين
ويمكن اعتبار الشيخ محمد العاقل المؤسس الأول لهذه المحظرة التي تعززت بعد ذلك بأجيال من العلماء وأقمار من الجهابذة الأفذاذ، الذين أرجت بهم شغاف الزمان، وما زالوا في الرتبة العليا والطراز السامي في تاريخ العلم والعلماء.
وقد أثر عند الناس أن أسرة أهل العاقل امتازت بسر ثابت وخالد ينتقل بين الأجيال وتديره الأيام بين الأسلاف والأحفاد، وهو ” العلم، وذكي العطر، وبراق الثنايا الجميلة”
وقد بدأت المحظرة العاقلية على يد مؤسسها الشيخ العاقل، الذي درست عليه أجيال كبيرة من العلماء، إلا أن المؤسس الفعلي لهذه المحظرة الخالدة هو الشيخ أحمد بن العاقل الذي يعتبر ظاهرة علمية فريدة وصاحب فضل ويد خير على المحظرة الشنقيطية بموسوعيته العلمية وتصانيفه الكثيرة، وفتاواه وأقضيته، ومنهجه العلمي بشكل عام، وما امتاز به من قدرة على التنقيح.
ورغم موسوعيته العلمية فإن أشياخه معدودون ولعل من أبرزهم وأشهرهم:
والده العلامة محمد العاقل بن محنض بن الماح بن المختار بن عثمان: وقد كان من أجلاء العلماء المدرسين، حيث يصفه العالم الفقيه المؤرخ والد بن خالنا: “وربما تطفلت على قطب رحى مكانه، إنسان عين زمانه، المبرز الفائق لأقرانه، الفحل في العلم الجائل في ميدانه، شيخ شيوخنا محمد العاقل”
أخته خديجة بنت العاقل: وكانت عالمة جليلة ويكفي أن من تلاميذها أخاها أحمد بن العاقل والمختار بن بونه، والمامي عبد القادر إمام دولة الأئمة في غينيا، وكان الثلاثة دولة في الدرس عند خديجة بنت العاقل
وإلى مكانتها السامية يشير ابن أخيها العلامة القاضي محمذن بن أحمد بن العاقل في داليته المشهورة
وما أقرأت قوما فلانة قبلنا على طرة البوني ممن يشاهد
العلامة والد بن خالنا: ورغم أن أحمد بن العاقل لم يصرح بأخذه عن والد بن خالنا، فإن المؤرخ البحاثة امحمد ولد شماد ولد أحمد يوره، يميل إلى أن أحمد أخذ عن والد، مؤكدا أن من الصعب أن لا يأخذ عن والد من عاش في زمنه، وعرف مكانته العلمية.
الأمين بن محمذن يحيى النجمري: وهو عالم جليل ذو مكانة مرموقة في عصره
زين العابدين بن ألفغ الأمين: وهو خال الشيخ أحمد بن العاقل
ولا يستبعد أن يكون أحمد بن العاقل قد أخذ على علماء آخرين، مثل الأمين بن الماح بن الحسن اندوبك، وغيره من علماء عصره، كما تذكر تذكر روايات متعددة أنه أقام في شنقيط فترة، درس فيها ودرَّس أيضا، وترك بصمة علمية مؤثرة في ذلك الشمال الموريتاني قبل أن ينتقل إلى غينيا حيث درس هنالك على شيخ يدعى ألفا إبراهيما، وغير من المستبعد أن يكون الشيخ أحمد قد درس هنالك ونهلت من علمه الجم أجيال من العلماء وحملة الثقافة العربية الإسلامية في ذلك الصقع من بلاد المسلمين.
ويبدو أن العلاقة بين غينيا ومجتمع أهل العاقل كانت ضاربة في العمق، وممتدة على بساط العلم والتربية، فقد كان المامي عبد القادر أمير دولة الأئمة في غينيا دولة مع الشيخ أحمد بن العاقل والمختار بن بونه في الدراسة على الشيخة خديجة بنت العاقل، ويروى الأستاذ امحمد ولد شماد أن خديجة ربما سافرت إلى غينيا هنالك، حيث تلتقى بطلبتها الذين يجلونها غاية الإجلال.
وفي عظيم مكانة هذه المرأة العالمة يذكر ابن أخيها العالم الجليل محمذن بن أحمد بعض مآثر قومه ومنها تدريس خديجة لأجلاء العلماء
وما أقرأت قوما فلانة قبلنا على عهد نجل البوني مما يشاهد
العلامة والد بن خالنا: ورغم أن أحمد بن العاقل لم يصرح بأخذه عن والد بن خالنا، فإن المؤرخ البحاثة امحمد ولد شماد ولد أحمد يوره، يميل إلى أن أحمد أخذ عن والد، مؤكدا أن من الصعب أن لا يأخذ عن والد من عاش في زمنه، وعرف مكانته العلمية.
الأمين بن محمذن يحيى النجمري: وهو عالم جليل ذو مكانة مرموقة في عصره
زين العابدين بن ألفغ الأمين: وهو خال الشيخ أحمد بن العاقل
ولا يستبعد أن يكون أحمد بن العاقل قد أخذ على علماء آخرين، مثل الأمين بن الماح بن الحسن اندوبك، وغيره من علماء عصره، كما تذكر تذكر روايات متعددة أنه أقام في شنقيط فترة، درس فيها ودرَّس أيضا، وترك بصمة علمية مؤثرة في ذلك الشمال الموريتاني قبل أن ينتقل إلى غينيا حيث درس هنالك على شيخ يدعى ألفا إبراهيما، وغير من المستبعد أن يكون الشيخ أحمد قد درس هنالك ونهلت من علمه الجم أجيال من العلماء وحملة الثقافة العربية الإسلامية في ذلك الصقع من بلاد المسلمين.
ويبدو أن العلاقة بين غينيا ومجتمع أهل العاقل كانت ضاربة في العمق، وممتدة على بساط العلم والتربية، فقد كان المامي عبد القادر أمير دولة الأئمة في غينيا دولة مع الشيخ أحمد بن العاقل والمختار بن بونه في الدراسة على الشيخة خديجة بنت العاقل، ويروى الأستاذ امحمد ولد شماد أن خديجة ربما سافرت إلى غينيا هنالك، حيث تلتقى بطلبتها الذين يجلونها غاية الإجلال.
وفي عظيم مكانة هذه المرأة العالمة يذكر ابن أخيها العالم الجليل محمذن بن أحمد بعض مآثر قومه ومنها تدريس خديجة لأجلاء العلماء
وما أقرأت قوما فلانة قبلنا على عهد نجل البوني مما يشاهد
كما أقام الشيخ أحمد بن العاقل سبع سنين دارسا ومدرسا في غينيا حيث عاد من هنالك بعلوم وافرة، ليبدأ بعد عودته تأسيس محظرته، حيث وفد إليه الطلاب من كل حدب وصوب، وتولى القضاء للإمارة التروزية، وأصبح مرجع حل المشكلات ومورد الوفود والطلاب ومصدر التعليم والتربية في الجنوب الموريتاني، وانعقد على إمامته وموسوعيته وفضله إجماع الأجيال وائتلاف القرون.
ويصف المؤرخ أحمد بن الأمين صاحب الوسيط موسوعية الشيخ أحمد بن العاقل من خلال قصة سفر النابغة الغلاوي من الشرق إلى الجنوب “: “سافر –النابغة الغلاوي- من أرض الحوض يريد من يصحبه ليتعلم عليه فكان كلما اجتمع بعالم وعرض عليه طلبه يسأله العالم: أي فن تريد أن تقرأ؟ فلا يراجعه الكلام بعد ذلك، حتى لقي العلامة الشهير ولي الله أحمد بن العاقل الديماني فقال له: مَشِّ، كلمة يقولها العالم للتلميذ إذا أمره أن يبتدئ في درسه، فألقى عصى التسيار عنده، وجعل يعله من معينه الجاري حتى تضلع منه”.
وقد رثى النابغه شيخه بأرجوزة بديعة أشطارها الأخيرة من الألفية يقول في أولها:
يا أسف الدين وكل عاقل== على وفاة شيخنا بن العاقل
قيد أوابد العلوم العاقل== شيخ الشيوخ أحمد بن العاقل
من ذا الذي من بعده يقول من== يصل إلينا يستعن بنا يعن
من ذا الذي إذا سألت الخبرا== حدث أنبأ كذاك أخبرا
لما نعوه وذكرت فضله== كلي بكى بكاء ذات عضله
وبت ساهرا بليل أليل== مروع القلب قليل الحيل
قلت لقلب مضمر أي جزع==فلا تكن جلدا وتظهر الجزع
وللعلامة أحمد بن العاقل مؤلفات منها شرح الكبرى للسنوسي وطرة على السلم المرونق للأخضري وفتاوى وأمالي كثيرة، وما تزال فتاواه تظهر في مناطق متعددة من البلاد نظرا لأنه كان قبلة المستفتين ومقصد المسترشدين، وكانت وفاته سنة: 1244ه يقول ببكر بن احجاب مؤرخا لها:
وشرمد وفاة نجل العاقل== أحمد وافر العلوم العاقل
من مثله في دهره لم يعقل== ولم يقل قولا وبعده قل.
ويقول باب بن أحمد بيب عاطفا على حرم بن عبد الجليل (ت 1243هـ)
وقبله بأشهر قلائل== مات الفقيه أحمد بن العاقل
حامي ذمار العلم في إكيدي== ومخرج الناس من التقليد.
ودفن في “امبمب” يقول المختار بن جنك في نظم مدافن “تشمش”:
محمد العاقل الاَسني المملي== بالغلفَ عند البئر ذات الرمل
ثم ابنه أحمد ذو المعارف== بالجوف والقرب لبير العارف
ولم يزل أحمد بن العاقل على مساره العلمي والتعليمي ودربته واجتهاده في نشر المعارف الإسلامية، وحسم الأقضية، ونشر معارف التربية الصوفية الربانية السنية، حتى وافاه الأجل المحتوم سنة 1821 حيث خلفه في الحضرة والمحظرة أبناؤه العلماء الأجلاء، وهم محمذن وأمه السيدة الصالحة فاطمة بنت الفاروق بن سيدي الأمين بن أعمر ومحمد فال وابن عفان والأمين، وأمهم عيشة بنت المبارك بن الماقور الفاضلية وقد توفي الأمين وابن عفان في حياة والدهما القاضي أحمد.وقد عرف عن محمذن سعة علمه بالنصوص الفقهية، حيث كان يحفظ موسوعات كبيرة من شروح الشيخ خليل، وغيرها من متون ومقررات المحظرة الموريتانية ويروى أن بعض الطلاب كان يطالعون نسخة من شرح الشيخ عبد الباقي الزرقاني على مختصر الشيخ خليل، فهبت ريح عاصف، فأطارت بعض صفحات الكتاب، وبدأ القوم يبحثون عن نسخة أخرى لنقل ما ذهبت به الريح من صفحات الكتاب، فأملى عليهم محمذن بن أحمد بن العاقل ما افتقدوا من نص عبد الباقي، من ذاكرته الموسوعية.
وقد أسس محمذن في حياة والده محظرة عامرة، وخلفه في القضاء والإفتاء والتربية والتعليم، وفي القيادة المجتمعية ،وقد كان محمذن شاعرا مجيدا وله قصائد وآثار خالدة منها دالية مطولة في الفخر بقومه.
ولمحمد فال ذرية فاضلة تسلسل فيها العلم والصلاح والتربية وكان للشيخ حمدا بن محمد فال بن أحمد بن العاقل تأثير كبير في الجنوب الموريتاني وخصوصا منطقة شمامة وكان وذريته من بعده من أهل الكرامات وأصحاب الصيت الحسن
وسار على نهجه من بعده ابنه أحمدو وأحفاده من بعده على سنة قد سنة آباؤهم ولكل قوم سنة وإمامها
وقد أخذ محمذن القرآن والطريقة الشاذلية على الشيخ أغربظ بن أحمذ النور، كما عاش مع والده قرابة ستين سنة أخذ فيها معارف واسعة وتربية خالدة ومنبعا علميا وروحيا لا ينضب
وقد خلف محمذن أبناء علماء أجلاء هم أحمد يوره، والمختار أمه وسيدي الأمين ومحمد فال، وعبد الله ومحمد فال وقد كانوا علماء أجلاء وشيوخا مدرسين وقضاة عدل، وقادة مجتمع وأئمة صلاح تربية.
وقد ولي سيدي الأمين القضاء وعرف بالتمكن من ناصية الفقه، والورع الشديد، وكان مصلحا مؤثرا، أسقط كثيرا من الإتاوات والمظالم التي كانت تفرض في سياقات اجتماعية مختلفة، وكان جليل القدر مجمعا على فضله ومكانته.
وعرفت الحضرة في عهد سيدي الأمين وأخوته بخيمة الطلبة، وقيل إن رواقها امتد عدة عقود لم تقوض أطنابها مشدودة الأواخي إلى راسخ من العلم وفائح من أريج التربية والإصلاح
وقد ذكر الشاعر أبو بكر بن محمذن بن أبي بكر الديماني الفاضلي الملقب بكنْ في أبيات له حوادث وقعت سنة 1892 منها وفاة اثنين من أبناء محمذن بن أحمد بن العاقل وهما سيدي الأمين والمختار امو رحم الله الجميع. يقول أبو بكر (بكنْ):
شيئان إنْ فقدا لا شيءَ بعدَهما ولا يشدُّ إلى الدنيا إذنْ خَبَرُ
أبقاهُما الله ما أبقَى الزمانُ بِنا أبناءُ أحمدَ بنْ دَمَانَ والبَقَرُ
أودَى الزمانُ بما في الكونِ من بَقرٍ وآلُ خندُوسَه قدْ أودَى بهم يَمَرُ
والسادَةُ الغُرُّ آلُ العاقِلِ انتقلتْ إلى جوار العُلَى من ربِّهمْ نَفَرُ.
ببها بن العاقل ..المجدد الثاني
يعتبر الإمام محمد فال بن محمذن بن أحمد بن العاقل الشهير ببها إمام المعقول والمنقول في الجنوب الشنقيطي، وشيخ الإفتاء والقضاء والتأليف، بل يمكن اعتباره المجدد الثاني في الحضرة العاقلية، ومن أكثر علماء البلاد تأليفا.
وقد ولد العلامة محمد فال بن محمذن بن أحمد بن العاقل سنة 1244/1828، وقد أخذ ببها معارف المحظرة وعرفان التربية الصوفية على والده محمذن بن أحمد، ونهل من العلوم في محظرة أسرته، ولا يعرف له أستاذ خارج هذه الحضرة العاقلية.
وقد كانت له علاقات علمية واسعة مع كثير من أجلاء العلماء في عصره، ومنهم الشيخ محنض باب بن أعبيد، والشيخ سيديا بن الشيخ أحمدو ولد اسليمان، والعلامة أحمد فال بن محمذن فال اليعقوبي، ومحمد بن محمد سالم المجلسي والشيخ محمدو بن حنبل الحسني وغيرهم
وقد تولى محمد فال القضاء بعد أسلافه المنعمين، ونهلت من معارفه الأجيال المتعاقبة، وترك آثارا علمية مهمة من بينها:
– المسائل العشر في التوحيد ( العقيدة )
– دمية المحراب في المهم من التصريف والإعراب
– نظم في فواصل السور
– تبيان التضاد بين مخرج الظاء والضاد
– رسالة في الجيم
– مختصر في النحو
– املاءات متفرقة في القرآن
– شرح لامية الأفعال لابن مالك
– نفحة الياسمين في الصلاة على أشرف المرسلين
– تأليف الصحابيات
– تأليف في مساجد النبي صلي الله عليه و سلم
– نظم حوادث السنين المعروف بطوارئ ببها
– ترياق اللسع في الرد على المسائل التسع
– دالية الألغاز وشرحها
– شرح ميمية ولد بون
– أهبه المتنطق في علم المنطق
– نظم الشرفاء
– أنظام كثيرة في مختلف الفنون
– ديوان شعر كبير
وقد تتلمذت على الشيخ ببها أجيال من العلماء نهلوا من معارفه وعلومه، ومنهم على سبيل المثال:
ابنه العلامة القاضي محمذن بن محمد فال الملقب اميي
– ابناء أخوته العلماء الأجلاء محمد ومحنض باب ابنا أحمد يوره
– العلامة المفتي سيدي ولد التاه
– العلامتان اليداليان محمد سالم بن الما ومحمد بن حمين
– محمد وبابكر ابنا عمر بن ابن عبدم الفاضليان
– خطري بن الغوث الألفغي
– العلامة محمدن بن حمدي الأبهمي
– العلامة محمد باب بن سعيد التندغي
– العالمان المصطفى والعتيق ابنا محمذن بن المصطفي اليدوكيان، وغيرهم كثير
وإلى جانب مكانته العلمية الشهيرة ومنزلته في القضاء والإفتاء، فقد كان القاضي ببها زعيما اجتماعيا مرموقا ألقى إليه المجتمع الشمشوي زمام القيادة، وصدروا منه عن رأي قيادة رفيعة ورأي حكيم وسعي حميد في خدمة الإسلام وقيمه ونشر معارفه وعرفانه.
ومن شعره:
أدخلتُ نفسي ومن خاللتُ من أَحد * في الميم والصاد من لفظ اسمك الصمد
وفي الدوائر من لفظ الجلالة والــ*ـميمَينِ ميمَي سُماك المؤمِنِ الأحد
والميمِ والطاء من لفظ المحيط كما * أدخلتهم جيب طه مظهرِ المدد
أدخلتهم جيب أبهى من به سبَحَت * شياظِمُ العيس من بطحان للبلد
وخير من طاف بالبيت العتيق ومن * وافى المناسك فوق جَسرة أُجُـد
ومن أراق دماء البُدن مشعَـرَةً * على أياسرِ كل تامك قرد
وخير من شام عضبا صارما ذكَرا * في جنب من هو لم يولد ولم يلد
كيوم مكة والأحزاب إذ دهَموا * ويوم بدر وأوطاسٍ وذي قَرَد
ومن أذل رقاب الشوس من نُمُر * ومن نمَير ومن كلب ومن أسد
أدخلت نفسي وأهلي جيب من شهدَت * بصدق بعثـته الغزلان بالجرد
والصرح والصخر والحصباء قد شهدت * والجذع حنّ حنين الأم للولد
ومن يكن جيب طه حصنه انقلبت * له المكاره أمنا شيب بالرشد
والهون يغدو له بالعز منعكساً * والخسرُ بالربح والنقصانُ بالزّيَد
فريقه حين مسَّ العينَ ناضبةً * والعين غائبةَ الإنسان من رمد
من يمنه زال ما بالعين من رمد * وتلك فاضت بعذبٍ ليس بالثمد
والليل لما محا الرحمن ءايته * فكاد يسوَدّ منه الوجه من كمد
تمَّ السرور له من بعد طرحته * إذا صار فيه سُرى ياسينَ بالجسَد
إذ بات يخترق السبع العلى صعداً * حتى انتهى صعداً لمنتهى الصعد
وإذ غدا في ربيع الألّ مولدُه * غدا ربيعٌ ربيعَ القلب والكبد
ويومُ الِاثنين منه نال منزلةً * عنها تقاصر يوم السبت والأحد
وإذ ثوى بالبقاع الطاهرات غدت * في رتبة لم تكن للثّور والأسد
فسل قُـباءً وبطحاءَ العقيق وسَل * سَلعا وغرسا وأعلى السفح من أُحد
وسل حِراءً وثوراً والحطيمَ وسل * سفح الحجون إلى حومانة الكتد
فالأخشبين فغار المرسلات إلى * خَيف المحصَّب فالبطحاء فالسعد
منازلُ اكتسبت بالمصطفى شمَماً * على منازلَ بالعلياء فالسَّند
فيها تردد جبريل الأمين على * طه الأمين بقولٍ ليس بالفنَد
فيها الطواسين والأنعام قد نزَلَت* مشَيّعاتٍ بأملاك ذوي عدد
للّه للّه أيامٌ بها سلَفَت * ما إن يُرى مثلها في سالف الأبد
فيها الشريعةُ قد قامت دعائمُها * على المكارم والإحسان في السدد
وقد حماها سراةُ صحبه فغدت * في زِيّ غيداء تسبي القلب بالغَيد
بكل أبيض صافي اللون ذي ثقة * وكلِّ أسمر لَدنِ المتن مطّرد
بكف أروع حامٍ للذمار إذا * كعّ الجبان وبانت دهشة النجِد
حلو الشمائل من تيم بن مرّة أو * من ءال عبد مناف أو منَ آل عدِي
ومن ضراغم باقي العزّ من مضر * أوغُرّ قَيلةَ أهل البأس والصفد
تراه في السلم في الأنداء متئدا * وفي الملاحم يُلفَى غير متّئد
ألَا طربت وما شوقي إلى طلل * عافٍ تغير غيرَ النؤيِ والوتد
ولا لظبى أحمِّ المقلتين غدا * عما أحاول منه منتهى البعُد
لكن لطيبة قد أمسيت ذا طرب * وما بطيبة من سهل ومن جلد
يا من نمته عروق الفخر من مضر * كما تسنم فرع المجد من أدد
إني غرِضتُ إلى اللقيا كما غرضت * مِن فقدها لنمير الماء نفسُ صدِ
جُد لي بلقيانةٍ يلفى بها رغداً * عيشي فما العيش إن لم تلف بالرغد
أنت المقيمُ لمن وافاكَ ذا أودٍ * حتّى يكون كأن لم يُـمسِ ذا أود
أنت الشفيع غدا يوم اللواء كما * أنت المجير من اللاواء قبل غد
ومن أتاك رديء الكسب صار له * مما أتاكَ رديءُ الكسب غيرَ ردي
فكيف يصدأ قلبي بعدما خلدَت * أوصاف ذاتك ذاتِ الحسن في خلدي
أم كيف أخشى من الأعداء صولَتَها * وقد شددتُ بمدح المصطفى عضُدي
أم كيف أرتاع إن غُودرتُ منفردا * وحدي ومدحُك أُنس الخائف الوحد
وكيف يصعب حاجٌ لي أحاولُها * وأنت جاهيَ في حاجي ومستنَدى
حسبي مديحكَ يا نعماي من نعم * ومن عروضٍ ومن عين ومن حفد
عليك أزكى صلاةٍ لا نفاد لها * ما أنَّ فضلك محفوظٌ من النفَد
معْها سلامٌ كتـرياق المدام إذا * شُجّت سحيرا بماء الثلج والبَـرَد
وقد طبقت شهرة ببها الآفاق، وراسله العلماء والمفتون والمستفتون من أنحاء المنطقة، وكان ممدحا كريم النائل وارف ظلال الفضل، أديبا شاعرا ناثرا ذا مكانة علمية وأدبية رفيعة جدا، ومن شعره الرائق أبيات من النسيب يقول فيها:
حول بلشان عَرجنْ بربوع ما لماضي أيامها من رجوع
حيها حيــها وسائلْ رُبوعًا برُبـاها عن أهل تلك الربوع
إن محض الجفاء أن لاتحيا أو تُحيَّا بغير سفح الدمـــــوع
وقد توفي ببها يوم عرفة سنة 1334 هــ/ الموافق 1916، هو وشقيقه عبد الله في يوم واحد ودفنا في مقبرة الميمون، وتناثرت حول تلك الفاجعة المؤثرة في تاريخ العلم المراثي ومن ذلك قول العلامة باب بن الشيخ سيديا:
ليس الكرامُ على الردى بحرام يَعـْتامُهمْ في الحل والإحرام
ذهب الإمام محمدٌ وقريـــــــنُه عبدُ الإله المرتضى بســـلام
مُتحليين بحَلْي كُل فضــــــــيلة مُتخليين عن الخنا والـــــذام
يرضى بهديهما الأنام ويقتفي أثريهما في الحَل والإبــــرام
وقد اختار امحمد ولد أحمد يوره للصلاة على عميه العالمين الشاب الصالح محمد باب بن دداه وخاطبه قائلا: تقدم يابن الجد صل على أعمامي.. ولا تتأخر فقد قدمك الله.
ونال من تلك الصلاة الإمامة في الدين وينسب إليه قوله: لم أصل مأموما منذ تلك الصلاة”
امحمد ولد أحمد يوره: العالم الذي غلبت عليه شهرة الأدب
ومن بين أعلام المدرسة العاقلية يتربع العالم الأديب امحمد ولد أحمد يوره على عرش الشهرة والسمعة العابرة للقرون والأجيال، وقد أخذ امحمد بمجامع التميز، فكان عالما جليلا ووليا صالحا ذا مكاشفات عجيبة، وإماما في التربية الصوفية الشاذلية، وأديبا رائق الشعر سيار الإبداع.
وقد أخذ امحمد معارف الشريعة والحقيقة عن جده محمذن بن أحمد بن العاقل، ووالده أحمد يوره وأعمامه، ودرس بشكل خاص ومتواصل على عمه القاضي ببها ولد العاقل، وكان امحمد يجل ببها إجلالا عظيما ولا يجلس معه على فراش واحد إلى أن توفي.
وقد ترك امحمد موسوعة تآليف علمية وأدبية متعددة الجوانب ثرية الموضوعات، فألف في العقيدة والفقه والجغرافيا، وترك ديواني فصيح ولهجي من أحسن وأشهر ما أبدعه الوجدان الشعري في بلاد شنقيط، وتركها سنة باقية في عقبه من بعده علما وأدبا وفتوة وصلاحا.
منازلُ الميمونِ أقوِتْ “ذَرَكْ” إنْ لمْ تُبكِّهَا فما أصبَرَكْ
أمستْ لسيدَان الفلا مألفا وكل حرثٍ مثل “نُونَي عَرَكْ”
مِنْ بعدِ ما كانتْ بها خُرَّدٌ يصطدنَنَا مثلَ اصطياد الشَّرَكْ
لا طاربٌ فيها ولا مطربٌ سبحانك اللهم ما أقْدَرَكْ.
وكامحمد في علمه وأدبه وصلاحه سار أبناؤه محمد باب ومحمذن باب، وسيدي باب، وأحمدو باب، وأحمد باب المعروف بشماد ونور الدين وسار من بعدهم أبناؤهم وحفدتهم “على سنة للصالحين مسنة.”
ومن مشاهير علماء آل العاقل القاضي محمذن بن محمد فال بن محمذن بن أحمد بن العاقل المعروف بالقاضي اميي وقد غلب عليه لقب القاضي حتى صار علما عليه بالغلبة، وقد تولى القضاء قرابة ستين سنة، حيث كان يقضي ويفصل في النزاعات في عهد والده القاضي ببها، ثم ولي رتبة القضاء في فترة مهمة جدا من تاريخ البلاد، وخصوصا طيلة فترة الاستعمار الفرنسي، حيث فصل في قضايا وخصومات قبلية ومنازعات عميقة، وقد اختط لنفسه منهج المصالحة، وقيل إنه طوال خمسين سنة لم يكتب عبارة “حكمت” إلا مرة واحدة، أما بقية أحكامه فقد كانت سيرا بالمتخاصمين من سخونة الصراع والتنافس إلى ظلال المصالحة والإخاء، وما من شك أن أقضية وأحكام العلامة اميي جديرة بالدرس والتحقيق، باعتبارها منهجا فريدا في القضاء، زيادة على ثرائها الفقهي، وباعتبارها أيضا ثروة تاريخية تسجل أهم التحولات المجتمعية خلال ستة عقود من حياة الجنوب الموريتاني
وقد كانت وفاة القاضي اميي حدثا مؤثرا في المنطقة، فأثار كوامن أشجان القريض، وتناثرت المراثي إثر هذا الحدث الجلل ومن ذلك قول العلامة محمد سالم بن عدود رحمه الله:
شيخ ذات السبيل خلى مكانهْ ،، بعدما عاش صالحا بأمانه
حكما مقسطا إماما جليلا ،، ذا وقار وهيبة ومكانه
عاملا مخلصا أديبا أريبا ،، مازجا هزله بجد الديانه
قائدا راشدا حكيما سديدا ،، حازما في تواضع وصيانه
لم تكن تستخفه نشوة الكبْ،،رِ ولا يطبييه ذل المهانه
لا أطيل الحديث في ذكر شيخ ،، كان في الذكر فائقا أقرانه
صادق الكشف رائق الوصف سمح ال،،كفّ يستمطر السحاب بنانه
ثابت اللحظ بالغ الوعظ عذب ال،،لّفْظِ قد عوّد الجميل لسانه
كان للخمس زينة وستبقى ،، ببنيه وقومه مزدانه
كان للدين معقلا وسيبقى ،، منهمُ في عزازة ومتانه
حاطهُ الله في ذويه وأبقى ،، ذكره خالدا وأعظم شانه
وحباه من جنة الخلد مثوى ،، يغبط الأولياء فيه مكانه
بجوار الرسول ذي الصدق والتبْ،،ليغ والنصح والهدى والأمانه
صلوات الإله تترى عليه ،، وعلى آله صميم كنانه
وعلى صحبه الألى جاهدوا في الله حق الجهاد دون استكانه
وإثر وفاته سنة 1966، تولى بعده القضاء أخوه حامد بن ببها وعرف هو الآخر بدقة تحرير الأحكام وسعة العلم والأدب والفضل وحسين السيرة إلى أن توفي سنة 1986.
وقد كان حامد بن ببها آية في الورع والعلم والجود، وخلد الأدب آثاره ومن ذلك قول العلامة المختار بن حامد رحمهم الله:
حامــــدِ بن بَبَّها فـي الندى .. و في فِعالِ الخير فَــلْـيُقْـتدَى
وليقتبس من هدْيهِ في التُّقى ..وفي النَّقا وفي النَّدى والجدى
فإنه في الجُودِ داني الجَـنَى .. وإنهُ في الفضل نائي المدَى
و فيه إن تَـنــظرْ إلي هديــهِ .. ولمْ تكنْ أعشى و لا أرمــدَا
تــــــــبصرُ ما تعرفُ مِن بـبَّها .. ومِنْ مُحمّذنْ و من أحمـــدَا.
وعلى المنوال نفسه نسج الأديب المرحوم الطيب ولد ديدي مادحا القاضي حامد بن ببها
حامد لاجيتُ ما انشوفْ :: شِ ما نبغيه ءلا انخوفْ
منْ شِ هو أثري گاعْ لو افْـ :: طنتْ انتم امعَ حامدْ
بل العلم ءُ لخلاق شوف :: والبركه والمحامدْ
ءُ لانِ گاعْ ابْذَ شاكرُ :: هو حدْ اجبرْ حامدْ
مايمشِ ماهُ شاكرْ ءُ :: لا يمشِ ماهُ حامدْ
ومن أجلاء علماء أهل العاقل العالم القاضي المفتي سيدي ولد التاه وقد وصفه المؤرخ البحاثة يحيى بن البراء في موسوعته بأنه” فقيه ومدرس وقاض من قبيلة أولاد ديمان (أهل المختار أگد عثمان). درس على والده وعلى عميه: سيد الأمين، ومحمد فال ابني محمذن بن أحمد بن محمد العاقل، وعلى البراء بن بگي ثم رحل إلى شرق البلاد وربما يكون حضر بعض دروس محمد الأمين بن أحمد زيدان الجكني. وممن أخذ عنه گراي بن أحمد يورَ، ومحمد بن عمر بن أبنُ عبدم، وأخوه ببكر،وحامد بن محمد فال بن محمذن. له من المؤلفات: نظم في وفيات علماء المذهب المالكي، ومكتوب في طعمية العلك، ورسالة في الضاد، ومكتوب في الجيم، وديوان شعر، ومجموعة من الفتاوى الفقهية. وهو دفين المدروم غربي المذرذرة”
ومما يؤثر في رثاء سيدي بن التاه قول العلامة المحدث محمد بن أبي مدين رحمهم الله:
إمام بحفظ الدين قد كان مولعا :: فكم ذب عنه بالأدلة من ألوى
وكم رم ما أثأت يد الجهل في الورى :: من العلم ما يملي من الحكم والفتوى
توخى طريق العدل دون سوائها :: كما قد توخاها أبوه ولا غروى
وكان على العلات سمحا مرزءا :: صبورا إذا ما غيره أظهر الشكوى
وكان جزاه الله خير جزائه :: من الأولياء السالمين من الدعوى
سقى الله مثوى ضمه كل رحمة :: وأولاه ما يرضاه في ذلك المثوى
ومن علماء أهل العاقل العالم الأديب وشيخ الدعوة الإسلامية العالم الجليل كراي بن أحمد يوره وهو عالم جليل ومؤلف مرموق وداعية مؤثر، كان من أوائل من استخدم التسجيل الصوتي في نشر المعارف الإسلامية والتبشير بقيم الإسلام ومحاربة البدع ومظاهر الانحراف في التعليم ودوائر الحكم، وفي الإعلام المنحرف.
وامتاز كراي إلى جانب جهده التعليمي والدعوي والمتواصل بوفرة الإنتاج التأليفي، حيث ترك مؤلفات محبرة عظيمة القيمة العلمية ومنها على سبيل المثال:
نظم المسائل العشر في التوحيد
نظم المطالب السبعة في التوحيد
تلخيص شرحي ميمية ابن بون للعلامتين ببها و أحمذو بن زياد الأبهمي في التوحيد
ألفية في رسم القرآن بسط فيها نظم الطالب عبد الله
قصيدة في سور القرآن علي وجه التوسل
ألفية في الأصول
نظم في المخصصات في الأصول
ألفية في البيان
نظم في بيع الغائب
نظم في السدل و القبض
نظم في حكم الشطرنج و اصرندْ
نظم في سرايا و بعوث النبي صلي الله عليه وسلم
نظم أهل بدر
نظم في هجرة النبي صلي الله عليه و سلم و أبي بكر إلي المدينة
نظم المهاجرين إلي المدينة
أنظام الهجرات الثلاث إلي الحبشة
أنظام العقبات الثلاث
نظم مكفرات الذنوب
أنظام كثيرة متفاوتة الطول في العقيدة و الأصول و البيان و النحو و الفقه و التاريخ
الروضة الفائح شذاها بشرح رب بطه
شرح نظمه لأهل بدر
تأليف في العروض
تقييدات و فتاوي
ديوانا شعر فصيح و لهجي
ولم يكن شقيقه أحمدو بن أحمد يوره دونه في العلم والأدب، وإن اخترمه الموت منتصف الأربعينيات في السنغال وهو شاب ناضر، وعاء أدب علم ومستودع صلاح وفضل جليل
وقد أثر الشيخ كراي بن أحمد يوره في أجيال متعددة من مختلف أبناء موريتانيا، حيث كان منبر إصلاح ومدرسة تربية ومحضن فتوى وإرشاد، وما زال أبناؤه العلماء من بعده ينيرون دربه، جامعين بين أرقى التكوين العصري في الجامعات الغربية، وبين أعمق وأعرق معالم العرفان والمعارف الإسلامية.
ومن عيون المراثي التي قيلت في كراي بن أحمد يوره قصيدة العالم المؤرخ الشاعر امحمد ولد شماد
سيد القوم للمصير تولى نضر الله روحه حيث حلا
أي خطب به جليل أصبنا فصبرنا لله عز وجلا
فارس العلم والندى والنوادي نال ما الخطب الخطير وجلا
من تحلى بهمة ووقار وتحلى بما به قد تحلى
إن ترم عد ما له من مزايا ضعف الطبع عن مداه وكلا
فاختصرنا على نماذج منها إن خير الكلام مامنه قلا
وصلاة على المشفع طه عد من صام للإله وصلا
ومن بين علماء آل العاقل المشهورين وأدبائهم المرموقين العالم المؤرخ والأديب الأريب القاضي محمدن بن شماد رحمه الله تعالى، ويمثل الفقيه الأديب الشاعر الراوية المؤرخ امحمد ولد شماد وارث السر العلمي والأدبي وحافظ التراث العاقلي بمجالاته المختلفة ومآثره المتعددة.
ولا يمكن للحديث عن الأسرة العاقلية أن يكتمل إلا بالحديث عن رمزها العلمي الأشهر بين المعاصرين الشيخ حمدا ولد سيدي ولد المختار أم بن محمذن بن أحمد بن العاقل الأمين العام السابق لعلماء موريتانيا، ووزير العدل والشؤون الإسلامية الأسبق.
وللشيخ حمدا بن التاه تأثير قوي في مسار التدين المعاصر في موريتانيا، حيث استطاع توجيه كثير من القرارات السياسية والمجتمعية والمصالحة بين كثير من أقطاب النخبة الحداثية وبين قيم الإسلام، وكان رائد الأسلمة في مجال الفكر والاقتصاد في موريتانيا.
وللشيخ حمدا بن التاه مؤلفات مهمة منها على سبيل المثال:
اختصار موافقات الشاطبي،
جدولة مختصر خليل،
نظم الثقلاء
أربعون حديثا في فقه قضايا معاصرة،
جدولة المنطق،
جدولة علم البلاغة والأصول،
تلخيص الخلاصة،
تلخيص الإتقان في علوم القرآن،
نظم في أحكام المساجد،
منظومة المستجدات الفقهية
ودون شك فإن من أبرز أعلام الحضرة العاقلية خلال القرن المنصرم الأستاذ الفقيه والإداري المرموق المرابط بن اميي بن ببها الذي يعتبر من جيل التأسيس الوطني لدولة الاستقلال، وقد عمل لمرابط موظفا في القطاع المالي خلال فترة الاستعمار الفرنسي، في مناطق متعددة منها الحوض الشرقي سنة 1945، ثم عمل بعد ذلك موظفا ساميا في قطاعات متعددة، ورفض عرضا من الرئيس المختار ولد داداه بتولي حقيبة وزارية.
ومنذ انقلاب 1978، أخذ المرابط بن ببها مسارا آخر، حيث أقام في قريته بير التورس، عالما مدرسا ومصلحا وأبا حانيا، وقيما على شؤون المسجد، وقل أن يزور العاصمة نواكشوط، إلا من أجل صلة رحم إلى أن توفاه الأجل المحتوم سنة 2022 عن عمر ناهز قرنا هجريا عامرا بالعطاء والإصلاح
وقد ظل لمرابط بن ببها نموذجا للمصالحة بين الثقافة العصرية العميقة جدا، والخبرة الإدارية وبين الثقافة المحظرية الراسخة، والسمت العاقلي الفريد.
وفي البيت العاقلي ضرب العلم أطنابه، ونبغت في معارف الشريعة والتربية عدد من عواتك هذه الأسرة، ومنهن على سبيل المثال العالمة الجليلة خديجة بنت العاقل، ويمي بنت ببها، ولبابة بنت ببها وغيرهن من العالمات الصالحات وفي لبابة بنت ببها يقول العلامة المختار بن حامد راثيا:
إلى ربها سارت لبابة ببها :: لتحمل من جناته جل غبها
تبوأ فيها روضة من رياضها :: تقر بها عينا وتفرح قلبها
تتابع مصا من كؤوس رحيقها :: ومن لبن عذب تتابع عبها
إلى غير هذا من نعيم تحبه :: نحب لها ما تشتهى منه حبها فنحن به ندعو لها اليوم ربنا :: وكانت به تدعو له الأمس ربها
سلام عليها ما أمر فراقها :: وأبرك لقياها وأنعم قربها
وتبقى رياح النصر من بعدها على :: عشيرتها دأبا تواصل هبها تثير سجايا من سرور ونعمة :: تفيض على نعم العشيرة صبها يعيشون منها فى حياة مليئة :: من اليسر والخيرات والعز والبها ويشبه فيها بَبَّ مختار أمه :: ويشبه حمدا والد الأم ببها ويحفظ آل الشيخ أحمد هديه :: فبورك فيها أسرة ما ألبها ولله صيت عم من أوليائها ::
وقرائها شرق البلاد وغربها
وتبقى لديمان من النيَّ ثمرة :: ولب كما كانت لبابة ببها.
مدرسة الأدب ومحضن الإبداع
وإلى جانب المكانة العلمية والروحية لمدرسة آل العاقل، فإن هذه الحضرة تعتبر أيضا إحدى مدارس الإبداع الأدبي المؤثرة في تاريخ الأدب العربي الفصيح وحاضره في موريتانيا، وقد بدأت الأجيال الأدبية في الحضرة العاقلية منذ الجيل الثاني مع العالم الأديب الكبير محمذن بن أحمد بن العاقل، وابنيه عبد الله و محمد فال الذي يعتبره بعض الباحثين من أبرز شعراء الجنوب الموريتاني رغم أن شعره ظل محصورا غالبا في السياق الديني المحض.
وقد نشأت في أحضان هذه الحضرة مدرسة ازريكه في الأدب وبدأت مع الفقيه الشاعر عبد الله بن محمذن بن أحمد بن العاقل، ثم توطدت وترسخت مع محنض وأخيه امحمد بن أحمد يوره.
والأدب في المدرسة العاقلية برهان شاهد على تعدد الكراسي المعرفية في شخصية الأديب والعالم العاقلي، فترى الديوان جامعا للنسيب والغزل، مؤاخيا لهما مع المديح والتوسل والرثاء وغيرها من الأغراض، إضافة إلى ما يميز اللغة والصورة الشعرية من طرافة وسمو ورشاقة وخصوصية أكيدية لطيفة.
والأوابد العاقلية هي مما يمكن أن يطلق عليه “المرقصات المطربات” أو سجدات الأدب التي يرى السامع أول وهلة أنها متاحة لقنص كل وجدان، وهي من المطمع الممتنع، ومن عيون الأدب العاقلي قول العلامة القاضي ببها بن العاقل:
يأسُ راجٍ تسوءُ منه الظنونُ بنوال المولى الكريم جنون
أقنوطاً وللمهيمن رحمى فيضها ما ان يعتريه السكون
أم ملالا من سؤله وهو من يو فك عن سؤله عليه يهون
أم ركونا لغيره أإلى لا شيءَ يلفى من اللبيب الركون
كلّ يوم يبدي شؤونا ولكن لا تؤودُ الاله تلك الشؤون
جل وجه الاله وجها كما جل وعزّ اسمهُ العزيز المصون
ذو جلال وعزة وبهاء واختراع يبديه كافٌ ونون
غير مغبونٍ من دعاه ولاكن من دعا غيره هو المغبون
ومن ذلك قول امحمد ولد أحمد يوره
ألا إن بنت اجّيري من شأنها هجري=وصرمي ومن شأني هواها مدى الدهر”
ففوها وعيناها وحسن بهائها=”جلبن الهوى من حيث أدري ولا أدري
ولم يدر إلا الله ما هاج قولها= “عيون المها بين الرصافة والجسر
ولامحمد نفسه في الاستسقاء
هذا العيال وإن طغى في فسقه من ذا الذي يسقيه إن لم تسقه
ياربنا وإلهنا ياشاملا كلَّ العباد برفقه وبرزقه
عجِّل على ” ذي المُزْنِ ” مزنا جاعلا “بئرَ السبيل ” طريقةً من طرقه
وعلى “العجائز ” تستهلُّ كعابه فينال حظاً وافرا من ودقه
متتبعا آبارنا فكأنما فهم الحقيقة وحده من حذقه
وترى ثراه الجعد غِبَّ سمائه يخفى الذراع المستطيل بعمقه
وترى الرباب على السحائب ضُمَّناً أن لانراع برعده وببرقه
وترى الرياض وقد تفاوح زهرها فوحان مسك فائح من حقه
وترى الزمان وكان قبلُ مغاضبا يلقى الورى ببشوش وجه طلقه
يارب صل على بعيثك آخرا وهو الأَوَلُّ لفضله و لسبقه
وإذا كان من الممكن تحديد بعض السمات المميزة لمدرسة آل العاقل فيمكن أن نقول إنها
ميزة أجيال العلماء: فقد تسلسل العلماء الأجلاء في هذه الأسرة ولم تخل حقبة من تاريخها من عالم جليل وقاض عدل ونبيل مقصود، وذلك منذ عهد محمد العاقل وابنه القاضي الجليل أحمد، وأبنائه وأحفاده مثل القاضي ببها، والأديب الشاعر العالم امحمد ولد أحمد يوره، والقاضي اميي وكراي ولد أحمد يوره، وحمدا بن التاه وامحمد ولد شماد وعز الدين بن أحمد يوره وغيرهم من الأجلاء العلماء
مدرسة تعليم وحضرة تربية: تكامل فيها هذان الجانبان المشكلان لشخصية المسلم الوسطي، وشخصية العالم الشنقيطي، وتكوين الإنسان الأكيدي.
أنها مدرسة إنتاج علمي وافر: حيث يمكن أن تتجاوز مؤلفات علماء هذه الحضرة 100 مصنف في فنون مختلفة، من معارف الشريعة واللغة ومشارق أنوار الحقيقة.
أنها مدرسة قيم إسلامية رفيعة: يتربى فيها الفرد من خلال المشاهدة والتربية بالنموذج، مما يمكن أن يدخل القيم العاقلية في صميم مناهج التربية الحديثة.
مدرسة أدبية خالدة بخصائصها المائزة، وتراثها الخالد المتسلسل في الأجيال.
سعة الأفق وبعد النظر: وقد امتازت مدرسة العاقل بأنها مدرسة فكرية عميقة الأثر وعرف مفتوها بالنباهة وقوة العارضة، وعمق النظر الفقهي والفكري، فكانت فتاواهم منتدى تفكيريا يجمع بين دقة الاختيار الفقهي وحسن التعليل، ومراعاة الظروف والسياقات والميل إلى اليسر والوفاء لمقاصد الشريعة.
إنها خلاصة موهبة إيمانية، ونفحات ربانية تعاقب في الأجيال سرها وتشربوا رحيقها العذب “وكان أبوهما صالحا”
وما من شك أن امتداد الصيت العاقلي في الزمان طولا وفي القيم عمقا ورسوخا وفي المجتمع تأثيرا وقيادة وقدوة، مما يصعب على قلم البحث إيفاء هذه الحضرة ما تستحق أو الإحاطة بما أحاطت به من معالم الفضل ومجامع الخير ومعالم القيادة والتأثير، ولسان الحال في كل ذلك يردد قول امحمد بن أحمد يوره
ذكرنا لكم بعض المرام و بعضه مخافة تطويل عليه نلخخ